" سر الحياة على سرير الموت "

" سر الحياة على سرير الموت "

" سر الحياة على سرير الموت "

سر الحياة على سرير الموت

د.اكرم حياوي

  في قلب بلاد الرافدين حيث التقى دجلة والفرات منذ آلاف السنين ليرسما أولى ملامح الحضارة الإنسانيةتمتد أهوار العراق كجوهرة خضراء تتلألأ في جنوب العراق، هذه الأراضي الرطبة الفريدة، التي أدرجتها منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي عام 2016، كانت يوماً ما تُعرف بـ"جنة عدن" على الأرض حيث تنوع بيولوجي استثنائي وحياة برية نادرة تجعلها واحدة من أهم النظم البيئية في العالم.

لكن اليوم وبينما نقف على أعتاب كارثة بيئية حقيقيةتحولت هذه الجنة إلى مشهد مأساوي يحبس الأنفاس،الأهوار التي كانت تغطي مساحة تزيد عن 20 ألف كيلومتر مربع حسب تصريحات المختصين نلاحظ تقلصها يوماً بعد يوم، تاركة وراءها أرضاً متشققة وحياة تحتضر.

إن أهمية الماء، هذا السائل الشفاف البسيط، هو سر الحياة في كل ذرة من ذرات الكون التي على سطح الارض، الا ان هذا السر الأهم في استمرار الوجود وبالتحديد في العراق، بلد النهرين العظيمين، يبدووكأنه يتسرب من بين أصابعنا دون أن نحرك ساكناً،فالأرقام الرسمية تتحدث بلغة الأرقام الصادمة،انخفاض مناسيب المياه في دجلة والفرات إلى مستويات تاريخية خطيرة، وتراجع مساحة الأهوار بنسبة تزيد عن 70% خلال العقدين الماضيين.

وعند التطرق الى محافظة ذي قار بصفتي احدابنائها، والتي تعد قلب الأهوار النابض، حيث تحولت مساحات شاسعة من الأراضي الرطبة إلى صحراء قاحلة، خالية من البردي الذي كان يرقص مع النسيم، والجاموس الذي كان يطفوا في المياه العذبة، والطيور المهاجرة التي كانت تجد في هذه الأهوار ملاذاً آمناً، كلها باتت ذكريات تحكيها الصور القديمة.

وسط هذا المشهد المأساوي، تكشف الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الهجرة والمهجرين في محافظة ذي قار عن حقيقة مؤلمة، أكثر من 13 ألف عائلة اضطرت لترك أراضيها وبيوتها، هرباً من الجفاف والتصحر الذي التهم مصادر رزقها وحياتها، هؤلاء ليسوا مجرد أرقام في تقرير حكومي، بل هم أسر بأكملها، أطفال وشيوخ، رجال ونساء، كانوا يعيشون في تناغم مع الطبيعة لقرون طويلة، والآن يجدون أنفسهم نازحينفي بلدهم اختلفت عليهم طرق العيش المعتادين عليها غير مستوعبين فكرة ترك الأرض والنزوح من أراضيهم ولا يستطيعون التأقلم مع المجتمع الحضري الذي يختلف عن حياتهم اليومية في كل شيء وغيرها من الأمور الأخرى الكثيرة.

إن كل عائلة من هذه العوائل تحمل في طياتها قصة معاناة، قصة فقدان الهوية والانتماء، قصة البحث عن لقمة العيش في مدن لا تعرفهم ولا يعرفونها، وبعض الأحيان اصبحوا فريسة سهلة الاصطياد من قبل ضعفاء النفوس وأصحاب الجريمة المنظمة وتجار المخدرات مستغلين احتياجاتهم اليومية ويزرعون في انفسهم الكراهية والتطرف وعدم اهتمام المجتمع المضيف لهم والحكومة، إنها كارثة إنسانية صامتة تحدث على مرأى ومسمع من الجميع، دون أن تحرك ضمير صانع القرار.

لذلك إن ما يحدث في أهوار العراق ليس مجرد مشكلة بيئية عابرة، بل هو إنذار أحمر لكارثة أكبر قادمة لا محالة، فالنظام البيئي المتوازن الذي استغرق آلاف السنين لتكوينه، يمكن أن يختفي في غضون سنوات قليلة إذا لم نتحرك الآن.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة؟ إلى متى سنبقى نراقب هذه الكارثة دون أن نحرك ساكناً؟ إلى متى سنكتفي بالتقارير والدراسات بينما الحياة تحتضر أمام أعيننا؟

مما يتطلب منا إن نبين خطورة الوضع الحالي الذي يتطلب تدخلاً عاجلاً وحاسماً من قبل أصحاب القرار، وتقديم حلول عاجلة وان أهم هذه الحلول التي يجب تنفيذها فوراً هي الاتي :

أولاً: إعلان حالة الطوارئ المائية

يجب على الحكومة العراقية إعلان حالة طوارئ مائية وطنية، وتخصيص ميزانية استثنائية لمواجهة هذه الأزمة،هذا الإعلان سيمكن من تسريع الإجراءات وتجاوز البيروقراطية المعقدة.

ثانياً: دبلوماسية المياه الفعالة

تفعيل الدبلوماسية المائية مع دول المنبع (تركيا وإيران) من خلال:

- إبرام اتفاقيات ملزمة لضمان حصص مائية عادلة 

- تشكيل لجنة دولية مشتركة لإدارة الموارد المائية 

- اللجوء للمحاكم الدولية إذا لزم الأمر 

ثالثاً: مشاريع الحصاد المائي العاجلة

- بناء سدود صغيرة ومتوسطة لحجز مياه الأمطار والسيول 

-إنشاء خزانات جوفية استراتيجية 

- تطوير أنظمة الري بالتنقيط في المناطق الزراعية 

رابعاً: معالجة وإعادة تدوير المياه

- إنشاء محطات معالجة متطورة لمياه الصرف الصحي 

- استخدام المياه المعالجة في الري والصناعة 

- تطوير تقنيات تحلية المياه المالحة 

خامساً: برنامج طوارئ للنازحين البيئيين

- توفير سكن مؤقت وخدمات أساسية للعوائل النازحةبأشراف مباشر من قبل وزارة الهجرة والمهجرين وتوفير مقومات العيش الكريم لهم من اجل ابعاد ضعفاء النفوس من اصطيادهم ضمن مجاميع الجريمة المنظمة واستخدام أنظمة أمنية متخصصة تمنع تسلل عناصر الجريمة المنظمة 

- برامج تدريب وتأهيل مهني لإيجاد مصادر دخل بديلة(عن طريق برنامج قروض ريادة حسب الاتفاقية التي وقعت مع وزارة الهجرة) لشمولهم بقروض ميسرة لتمكين العوائل اقتصادياً والزام الشركات المحلية بتشغيل الشباب من العوائل النازحة في مشاريع إعادة الإعمار والخدمات العامة 

- صندوق طوارئ للحالات الاستثنائية والأزمات الصحية 

سادساً: استراتيجية التشجير والتصدي للتصحر

- حملة تشجير واسعة باستخدام نباتات مقاومة للجفاف 

- إنشاء أحزمة خضراء حول المدن والقرى والزام كل بناء جديد بتشجير امام المنزل او الدائرة  

- تطوير تقنيات الزراعة المقاومة للملوحة