حرب السنوات الثمان.. نزيف الدم وسلسلة الخراب ا.د. حسين الزيادي

حرب السنوات الثمان.. نزيف الدم وسلسلة الخراب ا.د. حسين الزيادي

حرب السنوات الثمان.. نزيف الدم وسلسلة الخراب ا.د. حسين الزيادي

مطحنة بشرية شرسة استمرت لثمان سنوات يأتي بعدها هرم السلطة في العراق ليقول انها كانت مجرد عملية (الهاء)!!!، فأي حرب حمقاء هذه؟؟، واي استهانة بدماء العراقيين؟؟  ثمان سنوات عجاف احرقت الأخضر واليابس، وعلى إيقاع طبول الحرب الدامية كان هناك جيشاً من النساء الأرامل، وقوافل من الثكالى والايتام وخسائر اقتصادية وبنية تحتية ممزقة، وتوقف تام لحركة التنمية، ودُمّرت مدن كاملة على جانبي الحدود، ومصافي النفط، والموانئ، والمنشآت الصناعية والزراعية، وتحولت مناطق واسعة إلى أراضٍ قاحلة مليئة بالألغام، ولازال البلدان يعانيان من التبعات المريرة لهذه الحرب.

كلمة ( إلهاء) التي ظهرت بعد مرور عامين من انتهاء الحرب العراقية الايرانية على لسان هرم السلطة في العراق اعقبها اعتراف بأن الحرب كانت مجرد مؤامرة ، وكانت تغذيها نفس الاطراف المتآمرة التي اشعلت الحرب، والمصيبة ان صدام يقول ( وكنا نعلم ذلك ) ، يعني كنا نعلم ان الحرب مؤامرة لإضعاف البلدين، اذن لماذا اشعلت هذه الحرب؟ ولماذا لم تنهي الحرب؟هذا الكلام في مقاييس علم الدلالة يعني الكثير، فقد نسف هذه العبارة كل الاكاذيب والقصص التي حاكها اعلام النظام طيلة ثمان سنوات، فلا شعارات رنانة ولا قومية و لا بوابة شرقية ولا تمدد ايراني. 

    تعدّ الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 ، واحدة من أكثر الصراعات العبثية دموية وتدميراً في القرن العشرين، فلم تكن مجرد نزاع حدودي تقليدي، بل كانت جريمة كبرى ضد الإنسانية ارتُكبت بحق شعبي البلدين، تسببت في مآسٍ إنسانية لا تُحصى ولا تُعوض، وتركت ندوباً عميقة لا تزال تنزف في جسد المنطقة حتى اليوم،  فهي بحق من أغبى الحروب التي خاضها نظام البعث في العراق واشدها قسوة ومرارة.

 بضع سطور محى صدام ذكرى مئات الآلاف من الضحايا العراقيين الذين سقطوا طوال ثمان سنوات في صراع اعتبر الأكثر دموية منذ الحرب العالمية الثانية، اذ بدأت مراسلات النظام السابق الى القيادة الايرانية وبدأت معها التنازلات ، حيث جُمعت تلك الرسائل في كتاب ضمنه الايرانيون جميع رسائل صدام اليهم، كان اخرها رسالة بتاريخ 14 اب 1990اعلن فيها النظام تنازله عن كل شيء، فالانسحاب سيكون كاملاً من الاراضي الايرانية خلال اسبوع واحد، واطلاق كامل للأسرى، وعودة الى اتفاقية الجزائر 1975 التي رفضها العراق سابقاً وكانت سبباً في اندلاع الحرب ، فضلاً عن الاستعداد التام لتطبيع العلاقات الثنائية، وذيلت الرسالة بعبارة (لكي لا تبقى اي من طاقات العراق معطلة خارج نطاق المنازلة الكبرى)! ويستطرد صدام فيقول: أيها الأخ الرئيس رفسنجاني... في قرارنا هذا أصبح كل شيء واضحا، وبذلك تحقق كل ما أردتموه، وما كنتم تركزون عليه، ولم يبق إلا ترويج الوثائق لنطل معا من موقع إشراف بيّن على حياة جديدة، يسودها التعاون.. 

وهكذا يتضح انها كانت حرب خاسرة بدون قضيه،وكارثة وجنون بكل المقاييس، حرب غير منطقيةشكلت بداية الانهيار الحقيقي للدولة العراقية بكل مؤسساتها لتصبح دولة الفرد والعائلة، وجاءت الاحداث والحروب اللاحقة لتكون مكملة لهذه الحرب،وما ان انتهت الحرب حتى سميَ يوم انتهاءها بيوم النصر العظيم، وهو ديدن النظام الذي اعتاد ان ينسج من هزائمه النكراء انتصارات واهية، ومن ابرز تلك الاكاذيب اكذوبة انتصاره في حربه مع ايران، واكذوبة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، وام المعارك والنصر المبين، ومسرحية الاستفتاءات، وغيرها كثير، لقد تناسى هذا النظام ان الانتصار الحقيقي هو تجنب الحرب واتقاء الخسائر والمحافظة على الارواح، وذروة فن الحرب هي إخضاع العدو دون قتال، انها الفلسفة الحقيقية للقيادة التي تركز على الحكمة الاستراتيجية لتجنب الصراع العسكري المباشر وتحقيق النصر من خلال الدبلوماسية.

خسائر الطرفين

أفرزت الحرب العراقية الإيرانية خسائر بشرية كبيرة، ووفقا لخبراء وباحثين إن هناك خسائر اقتصادية كبيرة على صعيد توقف تصدير النفط، وتدمير آباره، وتدمير منشآت حيوية واقتصادية، وتوقف تجارة البلدين في منطقة الخليج العربي والمياه الدولية،أسفرت الحرب عن مقتل نحو مليون شخص من كلا الجانبين العراقي والإيراني، بالإضافة إلى مليوني إصابة وعجز دائم وسببت تراجع كبير وتدمير لاقتصاد الجانبين، اذ بلغت الخسائر المادية للعراق بلغت 251 مليار دولار، و 500 الف اسير و70 ألف أسير و400 الف ألف لاجئ تركو بيوتهم بسبب القصف، فضلاً عن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي خلفتها الحرب، وخلّفت الحرب جيلاً يعاني من الصدمات النفسية الجماعية، وتراجعاً في القيم الاجتماعية، وغرست بذور الكراهية والتعصب بين شعبين تربطهما روابط تاريخية ودينية وثقافية عميقة، ولم يتوقف اثر الحرب عند هذا الحد بل كانت قاعدة للأحداث والحروب اللاحقة. 

لم تكن هناك مبررات سياسية وفنية كافية لاتخاذ قرار الحرب ، ولم تكن هناك قناعة من قبل الشعب في هذا الصراع الدموي لذلك كان اغلب افراد الجيش العراقي يفضل الاستسلام اذ بلغ عدد الاسرى العراقيين لدى الجانب الايراني  ثمانين الف اسير مقابل 17 الف اسير ايراني بحسب مصادرالامم المتحدة، وقد كانت هناك فرص متعددة لحل المشاكل العالقة.

اتخاذ القرار عام 1980 كان فردياً كما هو الحال بالنسبة لاتخاذ قرار الغزو الكويتي، لم يكن احد يجرء على توجيه نصيحة او يعارض قرار الحرب،فالخوف والرعب كان يسيطر على الجميع منذ التصفيات التي نالت رجالات الحزب عام 1979 ، لذلك وجد صدام نفسه بعد انقضاء الشهر الأول من الحرب متورطا باستمرار الحرب، بعد وقوعه تحت تأثير أوهام معلومات شعبة إيران في المخابرات وبعض مستشاريه الذين أوهموه أن نظام ايرانضعيف وبمجرد انفتاح القوات المسلحة العراقية ودخولها الأراضي الإيرانية سيسقط.