مابين 11 سبتمبر و 7 اكتوبر .

مابين 11 سبتمبر و 7 اكتوبر .

مابين 11 سبتمبر و 7 اكتوبر .

لست ممن يلوحون بنظرية المؤامرة في كل حدث، كما يفعل كثيرون هنا ممن يعتقدون أن العالم بأسره يتآمر عليهم ليسرق منهم حجر الفلاسفة الذي لم يمتلكه أحد يوما. غير أن هجمات 11 سبتمبر 2001 التي نفذها متطرفون إسلاميون أثارت منذ حدوثها تساؤلات لا تتعلق بالشك في كون المنفذين جزءا من مخطط مركزي بكامل وعيهم وإدراكهم، بل بإمكانية أن تكون هناك تسهيلات أو أدوار خفية عبر عملاء مزدوجين أو قنوات استخبارية متقاطعة مهدت الطريق لتلك الهجمات التي غيرت وجه العالم.

ومع مرور خمسة وعشرين عاما على ذلك الحدث المفصلي، لم تعد هذه الشكوك حكرا على ضحايا تبعات تلك الهجمات من الشرق أوسطيين وحدهم، بل صارت موضع نقاش واسع حتى لدى ضحايا تلك "الغزوة" داخل المجتمع الأمريكي نفسه. إذ باتت فئات مؤثرة من المثقفين والباحثين هناك ترى أن ما جرى لم يكن حادثة عابرة في هامش التاريخ الأمريكي، بل عملية متشابكة ساهمت في توجيه الرد الأمريكي عسكريا وسياسيا لتصنع من المأساة فرصة تمنح الولايات المتحدة تغولا جيوسياسيا عميقا أعاد رسم خرائط النفوذ في منطقتنا.

لقد منحت تلك الهجمات أمريكا ذريعة لتكريس نفسها قوة أحادية في الشرق الأوسط تحت شعار بوش الابن: من لم يكن معنا فهو ضدنا. لتنطلق مرحلة من سياسات التدخل والاحتلال بحجة الحرب على الإرهاب، فتغيرت قواعد اللعبة الاستراتيجية في المنطقة على نحو واسع وإن لم يكن نهائيا أو حاسما.

لتأتي أحداث السابع من أكتوبر أو طوفان الأقصى، لتبرز ذلك التشابه الجوهري في النتائج وإن اختلفت السياقات والأدوات، فكلا الحدثين كملا بعضهما ليخرجا من تحت أنقاضهما نظام جديد محوره الهيمنة على المنطقة. الأول كان بطابع أمريكي، والثاني بطابع إسرائيلي.

لقد كرست هجمات 7 أكتوبر موقع إسرائيل كقوة عظمى منفلتة أشبه بثور هائج وسط محل للموبيليات والزجاج، لتحول الإقليم إلى كومة أنقاض فتقتل وتغتال الرؤساء والقادة، وتقصف العواصم وتسقط الأنظمة، وتعيد رسم الحدود السياسية والنفسية لدول وشعوب المنطقة.

إن ما جرى بعد السابع من أكتوبر لا يحتاج إلى كثير من التحليلات بقدر حاجته إلى إقرار صريح بأنه لم يكن مجرد رد فعل عسكري مقاوم، بل كان استدراجا محكما مكن إسرائيل من فرض مشهد جديد في المنطقة وتغيير كلي لخارطتها السياسية، وصنع من بنيامين نتنياهو طالوتا معاصرا يحكم الشرق الأوسط كله بشكل لم يكن ليتخيله أشد المتفائلين ولا أكثر المتشائمين من الطرفين.