التنسيق الأميركي الإسرائيلي في مفاوضات إيران: بين الرغبة في التهدئة وقلق تل أبيب

التنسيق الأميركي الإسرائيلي في مفاوضات إيران: بين الرغبة في التهدئة وقلق تل أبيب

التنسيق الأميركي الإسرائيلي في مفاوضات إيران: بين الرغبة في التهدئة وقلق تل أبيب

بين مسقط وروما، تمتد خطوط تفاوض خفية بين واشنطن وطهران، فيما تل أبيب تراقب بقلق لا يخلو من نفاد صبر. جولتان غير مباشرتين جرتا حتى الآن — الأولى في العاصمة العُمانية، والثانية في العاصمة الإيطالية — برعاية عمانية هادئة كعادتها، وفي مناخ دولي مضطرب، يحاول الطرفان الأميركي والإيراني فيهما اختبار فرص العودة إلى مسار تفاوضي قابل للحياة.

لكن خلف الكواليس، ثمّة تنسيق مستمر — بل ومكثّف — بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يطرح تساؤلات حول أهداف واشنطن الحقيقية من هذه المفاوضات، وحدود ما يمكن أن تقبله تل أبيب قبل أن تعتبر التفاهم مع طهران خطًا أحمرًا.

الولايات المتحدة، في عهد الرئيس العائد دونالد ترامب، تبدو اليوم أكثر ميلاً لإدارة التوتر مع إيران من أن تفجّره. فالرئيس الذي خرج من الاتفاق النووي عام 2018 عاد إلى البيت الأبيض في ظل توازنات جديدة: حرب في أوكرانيا، صراع مفتوح في غزة، وتصاعد التهديدات في مضيق هرمز. كل ذلك يجعل خيار الضربة العسكرية أقل جاذبية، والمفاوضات — ولو المحدودة — خيارًا واقعيًا.

أما إسرائيل، فهي تنظر إلى أي تقارب أميركي–إيراني بريبة متزايدة، خاصة في ظل ما تعتبره “تساهلًا أميركيًا” إزاء التخصيب الإيراني وتوسّع النفوذ الإقليمي لطهران. التنسيق إذًا، لا يعني التوافق؛ بل هو، في كثير من الأحيان، محاولة إسرائيلية للتأثير في المسار الأميركي، لا للسير فيه.

من واشنطن، تبدو المفاوضات أداة لإدارة الأزمة لا حلّها. المطلوب ليس اتفاقًا شاملًا، بل تهدئة مرحلية تمنع التصعيد المباشر، تقيّد التخصيب النووي، وتُبعد خطر الحرب في وقتٍ تتهيأ فيه الإدارة الأميركية لخوض انتخابات نصفية مهمة قد تعيد تشكيل ميزان القوى في الكونغرس.

أما تل أبيب، فهي تخشى من “هدنة” تمنح إيران وقتًا ومجالًا لمراكمة أوراق القوة، خاصة في ملفات مثل حزب الله والحوثيين، وفي العراق، حيث لا تزال طهران تحتفظ بنفوذ ملموس. أما سوريا، التي لم تعد ورقة إيرانية خالصة بعد سقوط النظام السابق، فقد تحوّلت إلى ساحة معقدة تتقاطع فيها مصالح قوى متعددة، ما يزيد من حساسية أي تفاهمات إقليمية تشمل الملف الإيراني.

وفقًا لتقارير متقاطعة، فإن التنسيق الأميركي الإسرائيلي شمل إحاطات دورية بنتائج الجولتين في مسقط وروما، وتبادلًا للمعلومات الاستخباراتية حول مدى التقدم الإيراني في تخصيب اليورانيوم. لكنّ إسرائيل لا تزال تصرّ على أن أي اتفاق يجب أن يتضمن سقفًا زمنيًا قصيرًا، وآلية تفتيش أكثر صرامة، وقيودًا على برنامج الصواريخ الإيراني — وهي شروط يصعب تصوّر قبول طهران بها.

في المقابل، تحاول واشنطن تهدئة مخاوف تل أبيب دون أن تُغلق باب العودة إلى الطاولة. إنها لعبة توازن دقيقة بين حليف قديم وخصم عنيد.

قد تكون مفاوضات روما ومسقط بداية لمسار جديد أو مجرّد محاولة أخرى لتأجيل الانفجار. لكن الأكيد أن التنسيق الأميركي الإسرائيلي سيظل أحد العوامل الحاسمة في رسم سقف الممكن في أي تفاهم مستقبلي مع إيران. وبينما تتفاوض واشنطن على الورق، لا تتوقف تل أبيب عن التفاوض بالضغط، والتحريض، وأحيانًا بالتهديد الضمني بالخيار العسكري.

السؤال الحقيقي لم يعد: “هل ستنجح المفاوضات؟”، بل: “هل ستسمح إسرائيل بنجاحها؟… وإن سمحت، بأي ثمن؟”