هل سيصمد وقف إطلاق النار بين طهران و تل ابيب ؟
هل سيصمد وقف إطلاق النار بين طهران و تل ابيب .

بعد أسابيع من التصعيد المتبادل بين طهران وتل أبيب، جاء إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل بمثابة بريق أمل في منطقة اعتادت التوترات الدائمة إلا أن هذا الاتفاق لا يزال يثير الكثير من التساؤلات حول مدى صموده، خصوصًا بعد تصريح الرئيس الأمريكي الأخير حول شكوكه بعودة الحرب قريبا بين الطرفين وكذلك في ظل التعقيدات الجيوسياسية وتشابك المصالح الدولية والإقليمية.
وربما يكون هذا الهدوء هو هدوءاً تليه عاصفة لا سيما وان الساعات الأخيرة من الصراع بدأت اكثر شدة وعدواناً وتعبّر عن ان الطرفين لديهما الكثير في جعبتهما ، وتجدر الإشارة إلى ان المواجهة خلال ١٢ يوماً بدأت إثر هجمات متبادلة على منشآت عسكرية واستخبارية، دفعت الطرفين إلى حافة حرب شاملة ، ما تطلب التدخلات الدولية وخصوصًا من الولايات المتحدة وروسيا، والتي ساهمت في التوصل إلى اتفاق هش لوقف إطلاق النار. لكن هل هذا “الهدوء” يعكس تسوية فعلية للخلافات، أم أنه مجرد استراحة مؤقتة قبل جولة جديدة من الصراع؟
والجدير بالذكر أن مراقبين دوليين لخّصوا عوامل عدة تشير إلى استمرارية اتفاق التهدئة رغم هشاشة الاتفاق، أبرزها الضغوط الدولية من ناحية المجتمع الدولي، ولا سيما القوى الكبرى، والذي بات أكثر حزمًا في منع انزلاق المنطقة إلى حرب كبرى قد تهدد أمن الطاقة العالمي وتزيد من اضطراب الاقتصاد الدولي ،كما ان الإرهاق الإقليمي الذي تعاني منه بعض الدول الكبرى نتيجة مايحصل من حروب و قضايا تؤثر على امن المنطقة مثل روسيا واوكرانيا ، الهند وباكستان ، وحروب ناعمة اخرى ، ومن جانب آخر فأن إيران تواجه تحديات داخلية كبيرة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، بينما إسرائيل تمر بأزمة سياسية داخلية متفاقمة، و الطرفان على ما يبدو، لا يملكان رفاهية الانخراط في حرب مفتوحة طويلة الأمد ، كما ان القنوات الدبلوماسية المختلفة لها دور كبير في ضمان استمرار اتفاقية وقف إطلاق النار حيث تؤكد مصادر دبلوماسية أن هناك قنوات اتصال غير رسمية فُتحت بين الجانبين بوساطة عُمانية وقطرية، ما قد يساعد في احتواء الأزمات المفاجئة.
في المقابل فأن هناك عوامل اخرى تهدد هذا الاتفاق أبرزها :
اولاً - الدور المتصاعد للوكلاء: حيث انّ حزب الله في لبنان، والاحزاب المدعومة من طهران في سوريا والعراق، والفصائل الفلسطينية، كلها أطراف قد تشعل فتيل المواجهة من جديد دون قرار مباشر من طهران أو تل أبيب.
ثانياً - الملف النووي الإيراني:
لا يزال البرنامج النووي الإيراني حجر الزاوية في الخلاف. إسرائيل ترى في تقدم إيران النووي تهديدًا وجوديًا، وأي تطور في هذا الملف قد يعيد الأمور إلى مربع الصدام ، وخصوصاً بعد التقارير الصادرة من الاستخبارات الأمريكية cnn والذي أكد ان البرنامج النووي لم يتضرر مثل ما روّج له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب .
ثالثاً - الصراعات داخل إسرائيل وإيران:
فقد تسعى بعض الأطراف المتشددة داخل ايران وتحديداً الجماعات التي تعمل مع "الموسـ.اد" إلى زعزعة الوضع الداخلي واحداث فجوة عبر احداث أمور ربما امنية وأخرى سياسية كما انّ الوضع الداخلي الاسرائيلي لا يخلوا من المشاكل ومايحصل بين نتن ياهو والكنيست واضحٌ وجلي للمشاهد والمراقب وربما يكون الانهيار السياسي في اسرائيل اقرب من الانهيار الأمني مستقبلًا ، الأمر الذي ينذر بنقض هذا الاتفاق وما يصدر من بن غفير وزير الامن القومي الاسرائيلي خير شاهد على ذلك ،
والسؤال المطروح بعد هذه المشاهد إلى أي مستقبل يتجه الصراع؟ وليس وقف إطلاق النار سيصمد، بل إلى متى؟ فطبيعة العلاقة بين إيران وإسرائيل تقوم على صراع بنيوي، لا تحله اتفاقيات مؤقتة ولا تهدئة مشروطة. ما لم يتم التوصل إلى تفاهمات استراتيجية أعمق تشمل دور إيران الإقليمي، ومستقبل القضية الفلسطينية، والوجود العسكري في سوريا، فإن التهدئة الحالية ستظل محكومة بعامل الوقت، وقابلة للانهيار مع أول شرارة.
خاتمة
أنّ الرهان على وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل يشبه الى حدٍ كبير الرهان على السير فوق منطقة مليئة بالإلغام ، حيث الجميع يعرف ان اول خطأ يحدث هو الانفجار ، و حسابات الربح والخسارة قد تتغير في لحظة ، وبين هذا وذاك، تبقى المنطقة برمتها رهينة لصراع تتجاوز آثاره حدود الدول المتصارعة، وتمتد إلى الأمن الإقليمي والعالمي على حد سواء.