العباس بن علي (ع) حامل اللواء ومنارةالخلود

الدكتور حسين الزيادي

العباس بن علي (ع) حامل اللواء ومنارةالخلود

العباس بن علي (ع) البطل الذي علّم التاريخ أن الأيدي تُقطع، لكن الرايات لا تسقط، فما بين النهر والراية اختار ابا الفضل العطش لتبقى كربلاء خالدةفي الضمير الانساني والفطرة السوية، يدٌ قطعتْ ليبقى اللواء مرفوع يهز عروش الطغاة والمتجبرينمادامت السماء والارض، كانت رحلة العباس عليه السلام من ماء الفرات إلى خيام الحسين عليه السلام رحلة مجد وعزة وشهادة، هذه المسافة القصيرة حطمت كبرياء الزمن وقهرت زهو الايام وارغمت العصور على الانحناء، فأي شجاعة عظيمةتحلى بها ابي الفضل العباس عليه السلام حتىكشف اربعة الاف مقاتل من المعسكر الأموي الذين اوكلت لهم مهمة منع الحسين وأصحابه من الوصول الى الفرات.

 لقد جمع أبو الفضل العباس مع ما يمتاز به من صفات فريدة، وطبائع كريمة، وعطاء سخي وتراث نبيل ، نسبه السامي الشريف، فأبوه فارس الاسلام الأول علي بن أبي طالب عليه السلام، إذ لم يعرف التاريخ شخصية أعظم بعد رسول الله منه، وكفىالعباس فخراً أن يكون ابناً لعلي عليه السلام وأخاً للحسنين سيدا شباب أهل الجنة، أما والدته فهي السيدة الزكية فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية الملقبة بأم البنين، وهي من أجلّ الأسَر العربية واعرقها شرفاً وحسباً ونبلاً، وقد عُرف أبوها بالشجاعة والبطولة والحلم والشهامة والسخاء وكان من أعمدة الشرف الذين يشار لهم بالبنان، وكفاها من عظيم الشأن انها لم تسأل عن اولادها وكان سؤالها عن الحسين في قصص مفجعة يذكرها ارباب المقاتل.

حامل اللواء

  كان التقسيم السائد سابقاً هو تقسيم الجيش الى ميسرة وميمنة وقلب وجناحان وساقة، لكن الإمامالحسين وبسبب قلة العدد، اقتصر على الميسرة والميمنة والقلب،  فقد روىّ الطبري قائلاَ: وعبأ الحسين أصحابه , وصلى بهم الغداة , وكان معه أثنان وثلاثون فارساَ وأربعون راجلاَ, فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه, وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه, وأعطى رأيته العباس بن علي أخاه ، وبطبيعة الحال فان هذا التقسيم ينم عن حنكة سياسية وخبرة عسكرية، فزهير بن القين البجلي من كبار شيوخ قبيلة بجيلة في الكوفة له في المغازي مواقف مشهورة ومواطن مشهودة ، اما حبيب بن مظاهر الاسدي فكان ممن صحب النبي وسمع حديثه وصحب امير المؤمنين علياً عليه السلام، وكان من خواصه عالماً ومحدثاً وصدوقاً وفقيهاً وحافظاً للقرآن وكان من شرطة الخميس ، وكان سيد بني اسد وشيخهم وهو قائد انصار الإمام الحسين.

اما اعطاء الراية لأخيه ابا الفضل فلا يخفى ان حمل اللواء مكرمة عظيمة للفارس الشجاع ولايعقد اللواء إلاّ لمَنْ عُرف بالشجاعة والشهامة، والنبل والشرف ، وحامل اللواء من ابرز القاب ابا الفضل العباس، وقد صرح بذلك الإمام الحسين عليه السلام حين قال انت حامل لوائي، واعطاء الراية للعباس عليه السلام يشير الى مكانة ابي الفضل اولاً، ولان الجيش ينظر الى حامل الراية فيستمد منه العزم والثبات، وبقاء الراية شامخة يعني بقاء القائد، وفي ذلك يقول الإمام علي عليه السلام في وصيته الى قادة جيشه (ورايتكم فلا تميلوها ولا تخلوها ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم والمانعين الذمار فيكم فإن الصابرين على نزول الحقائق هم الذين يحفون براياتهم ويكتنفونها وحفافها ووراءها وأمامها لا يتأخرون عنها فيسلموها وﻻ يتقدمون عليها فيفردوها ) وهذهِ الوصايا والتّعليماتُ تركّزُ على أمرٍ في غايةِ الأهمّيّةِ، وهوَ: أنَّ اللواءَ يعد قطبُ المعركةِ، وموضعُ كاشفيّةِ المُقاتلينَ، وطبيعةُ روحِهم المعنويّةُ، وهوَ ممّا يُحقّقُ آثاراً عديدةً في سيرِ المعركة، ويتوسط اللواء الجيش في الغالب، أما الرايات فتوزع على الوحدات العسكرية، وتعد وسيلة لإصدار الأوامر، حيث يتصرف الجند مع كل هزة حسب ما هو متفق عليه.

 وتأسيسا على ما تقدم فالعباس عليه السلام يتميّزُ بالخصائص والمزايا التي حدّدَها أميرُ المؤمنينَ عليٌّ بنُ أبي طالبَ عليه السّلام في وصيّتِه لقادةِ الجيشِ، فضلاً عمّا تميّزَ بهِ العباس مِن معالم ومقومات عديدةٍ كشفَها حاله في المعركةِ حينَما برزَ إلى القومِ في معركة الطف، فقد جسد العباس الشجاعة العلوية والبطولة الحيدرية، فلم يعبأ للجموع ولم يكترث لصولة العسكر .

ولم يكن حمل اللواء غريباً على ابي الفضل فهو من اهل بيت كرموا بهذه المكرمة فأبيه الإمام علي كان حاملاً للواء الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه واله، وكان عمه جعفر بن أبي طالب شهيد مؤتة حاملاً للواء الإسلام في قتال الروم، وقد قطعت يداه فحمل اللواء بما بقي من عضديه ،ثم طعن فسماه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بذي الجناحين. 

اشتراكه في حروب ابيه

اشترك ابا الفضل العباس في المعارك التي حدثت في خلافة أبيه الإمام علي عليه السلام، وكان احد إبطال معركة صفين، وهو أول المبارزين في المعركة،وكان من المتعارف عليه عند العرب وقبل بدأ المعركة يطلب من الفريقين المبارزة وإخراج إبطالهم،فالانتصار في تلك المبارزات يعني رفع الروح المعنوية للفريق المنتصر وكسر الروح القتالية للفريق الخاسر في المبارزة، وفي معركة صفين طلب معاوية من الإمام علي خروج أبطاله للمبارزة فاختار الإمام ولده العباس عليه السلام وهو شاب ربما لم يبلغ العشرين، وطلب منه عدم إظهار وجهه ولا اعلان اسمه خشية ان يمتنعون عن مبارزته فلا يبرز اليه احد، وخرج من جانب فريق معاوية أحد أولاد ابي الشعناء وكان فارس معروف آنذاك هو وابنائه، فقتل العباس ابنه فخرج ابنه الثاني والثالث، والعباس يجندله بسرعة فائقة، حتى خرج له ابي الشعناء وكان عابسا غاضبا طالبا بثأر أبناءه وقف أمام ذلك الفارس الملثم وطلب منه معرفة اسمه فلم يجيبه العباس، وكرر سؤاله مرات والعباس لم ينتسب، ولم يرفع اللثام، وهنا قال أبي الشعناء لم أبارزك حتى تعلمني بنسبك وترفع اللثام عن وجهك، والقوم كأن على رؤوسهم الطير والأعناق مشرئبة من الطرفين لمعرفة الفارس الملثم الذي يأبى الانتساب وإزالة اللثام وعند هذا الحد أرسل الإمام علي ابنه محمد ابن الحنفية الى أخيه العباس، ليرفع اللثام ويجيب الرجل وعرف عن اسمه ونسبه ورفع لثامه وأرتجز حتى صاح ابي الشنعاء صيحة سمعها القوم في ساحة المعركة وهو يقول (ياويلي) طفل يبترني ويقلع أبنائي (والله لأثكل امك وابكي ابيك عليك) فشد عليه ابي الشنعاء فأسقطه العباس عن جواده وعاجله بضربة علوية واحدة .

صفاته والقابه

ابو الفضل العباس من الشخصيات التي تركتبصمات واضحة المعالم على مسيرة الاسلام بجهادهوعلومه ومعارفه وبكل الاطر الفكرية والعلميةوالاجتماعية التي تبناها في عمره الشريف علىالرغم من شهادته في شبابه ،الا انه استطاع انيكون شاخصا مميزا وقامة علوية باسقة ينحني لهاالتاريخ اجلالا واكباراً، ويلثم ذلك التراب الذي وطاءتهاقدام عالم صنديد وبطل مغوار ، ولا عجب ان يكون العباس من العلماء الذين زقوا العلم زقاً، فهو خريجمدرسة اصحاب الكساء، ثلاثة منهم عاصرهم ابا الفضل عليه السلام وهم :ابوه امير المؤمنين وسيدا اهل الجنة اخويه الحسن والحسين عليهم السلام.  

اعطاه الله تعالى فضلاً عن العلم ثوب الجمالKوكساه برداء الحسن البديع ، فكان العبّاس عليه السلام في روعة بهائه، وجميل صورته آية من آيات الجمال، لذلك لقّب بقمر بني هاشم ، ومن القابه الاخرى: حامل اللواء، والساقي، وبطل العلقمي،وكبش الكتيبة، والعميد، وحامي الظعينة، ولكل لقب قصة وحكاية تنم عن عظمة ابا الفضل وجلال قدره .

شهادته

عندما لم يبق مع الحسين عليه السلام إلا اخاه ابا الفضل العباس عليه السلام تقدم الأخير طالباًالاذن بالقتال، فقال له الإمام (ع: (أنت صاحب لوائي واذا ذهبت يؤول امرنا الى الشتات، فقال العباس يااخي قد ضاق صدري واريد ان اخذ ثائري من هؤلاء المنافقين، فاذن له الحسين عليه السلام، طالباً منه احضار الماء للأطفال فاقتحم العباس الفرات غير مبال بالجموع ، وشتت الجند ونزل الى الماء واغترف  ولم يشرب، فأي نفس أكرم من هذه النفس ؟ وأي إيثار يضاهي هذا الإيثار؟ وأي نبل أعظم من هذا النبل؟ولما استشهد أبو الفضل العباس عليه السلام جلس الحسين عند رأسه قائلاً (الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي وشمت بي عدوي) ، فأي مكانة احتلها أبو الفضل في نفس سيد الشهداء عليه السلام، فسلام عليك يا ساقي عطاشى كربلاء، يامن اضاءت به ظلمات كربلاء، لقد كنت كالجبل الاشم تخوض غمرات الموت بقلب ثابت الايما،ن وهل يرهب الموت من كان قلبه مسجداً عامراً بحب الحسين عليه السلام؟