الهند وباكستان من جديد: هل تعود المواجهة إلى الواجهة
الهند وباكستان من جديد: هل تعود المواجهة إلى الواجهة

د. علي العتابي
تتجه الأنظار مجددا نحو جنوب آسيا حيث تتصاعد التوترات بين الهند وباكستان، وسط مؤشرات تنذر باندلاع صراع جديد قد يهز المنطقة بأسرها ويعيد إلى الأذهان مشاهد الحروب السابقة التي خاضها البلدان منذ استقلالهما عن الاستعمار البريطاني عام 1947، ويأتي إقليم كشمير كعادته في قلب النزاع المزمن بين الدولتين النوويتين، ما يثير القلق العالمي من احتمالات انفجار الوضع في أية لحظة.
وتعود جذور هذا الصراع إلى لحظة تقسيم شبه القارة الهندية حينما تم تقسيم كشمير وذهب الجزء الأكبر منها إلى الهند رغم كون غالبية سكانها من المسلمين ما أثار غضب باكستان التي تعتبر أن الإقليم جزء طبيعي من أراضيها وبنيتها البشرية، وعليه فقد خاضت الدولتان ثلاث حروب كبيرة من أجل السيطرة على كشمير كان آخرها في عام 1999، إضافة إلى مواجهات حدودية متكررة وسقوط آلاف الضحايا من المدنيين والعسكريين في المناطق الحدودية .
كما تشهد الأسابيع الأخيرة تصعيدا غير مسبوق على طول خط الهدنة الفاصل بين شطري كشمير حيث تبادلت القوات الهندية والباكستانية القصف المدفعي وسط اتهامات متبادلة بخرق وقف إطلاق النار وتغذية التمرد المسلح في الإقليم وأعلنت نيودلهي مؤخرا عن تعزيز وجودها العسكري في كشمير وفرضت إجراءات أمنية مشددة تشمل حظر التجول وقطع الاتصالات، بينما اعتبرت إسلام أباد هذه الخطوات تمثل استفزازا مباشرا يستهدف الشعب الكشميري وحقوقه المشروعة.
وتتعدد الأسباب التي قد تدفع نحو مواجهة جديدة بين الجانبين، فالهند تتبنى سياسة أكثر تشددا منذ وصول الحزب القومي إلى الحكم حيث ألغت المادة الدستورية التي كانت تمنح كشمير وضعا خاصا وأعادت تشكيل المشهد السياسي المحلي بما يخدم مصالحها الأمنية والاقتصادية، بينما ترى باكستان أن هذا التوجه يمثل انتهاكا للمواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة وتدعو إلى حل النزاع عبر استفتاء حر ونزيه يقرر من خلاله الشعب الكشميري مصيره بنفسه.
كما لا يمكن إغفال البعد الاستراتيجي لهذا النزاع، إذ تسعى كل من الهند وباكستان إلى تعزيز نفوذهما الإقليمي في ظل تحولات وتوترات دولية متسارعة ومتصاعدة بين القوى الكبرى، ويزيد من خطورة الموقف امتلاك البلدين للسلاح النووي وهو ما يجعل أي صدام مباشر بينهما محفوفا بالمخاطر ويفتح الباب أمام سيناريوهات كارثية قد تتجاوز حدود البلدين وتمتد آثارها إلى العالم بأسره، وقد يولد ذلك استقطابات دينية وتحالفات دولية مع لحاظ العلاقات الإسلامية التي تجمع الباكستان بدون المنطقة العربية والآسيوية المسلمة، بوصفها واحدة من اكبر دول العالم الإسلامي ، أما الهند فهي الحليف الاستراتيجي للصين وروسيا وعضو فاعل في منظمة بريكس، ما يرفع مؤشرات التدخل الدولي في هذا الصراع، وليس العراق بعيدا عن تداعياته الكارثية لا سيما في الجانب الاقتصادي الذي قد يجعل العراق يعاني الأمرين ، وقد يذهب المتفائلون على اقل تقدير باتجاه المثل الذي يقول ( رب ضارة نافعة) باعتبار ان نشوب حرب جديدة قد يرفع من أسعار النفط الذي يعتمد عليه اقتصاد العراق بشكل أساسي.
أما كشمير فهي ليست فقط محور لهذا الصراع بل أيضا ضحيته الأبرز حيث يعيش ملايين السكان تحت وطأة القمع والعنف اليومي ويواجهون عزلة خانقة وانتهاكات متكررة لحقوق الإنسان في ظل غياب حل سياسي عادل يضمن لهم الكرامة والاستقرار ويحول دون استخدامهم كورقة في لعبة المصالح الإقليمية والدولية.
في ظل هذا التصعيد المتسارع تبدو الحاجة ملحة إلى تدخل دولي حاسم يضمن ضبط النفس وتفعيل مسارات الحوار وتطبيق قرارات الشرعية الدولية بما يسهم في تجنب الكارثة المرتقبة ويعيد الأمل في السلام إلى واحدة من أكثر مناطق العالم توترا وخطورة.